top of page

    حين يُطبع القلب من كثرة ما رأى… كيف تُعيد إليه الحياة؟

    • صورة الكاتب: عماد الجبالي
      عماد الجبالي
    • قبل 6 أيام
    • 2 دقائق قراءة

    كل قلب يولد طاهرًا، ناصعًا كصفحة بيضاء، ينبض بالخوف من الله بالفطرة، ويرتجف لكل ذنب صغير، ويأنس بالقرب من الرحمن. ولكن ما إن تبدأ العين ترى، والأذن تسمع، واليد تلمس… حتى يبدأ الامتحان.

    بعض النظرات، بعض الكلمات، بعض المشاهد العابرة … لا يُلقي لها صاحبها بالًا، لكنها تترك خدوشًا صغيرة (وهي الران) على ذلك القلب الأبيض. ومع مرور الأيام، تتكاثر الخدوش، ثم تتحول إلى طبقات سوداء، حتى يُختم على القلب، حتى يصبح كالحجارة أو أشد قسوة، فلا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه.


    كيف تطبع العينُ القلب؟

    العين مرآة القلب. كل ما تطالعه عيناك، إنما هو رسالة تصل إلى قلبك مباشرة. عندما ترى الحرام وتغض الطرف حياءً من الله، ينبت نورٌ في قلبك. وحين تترك عينك تطيل التحديق فيما حرم الله، تغرس شوكة في قلبك. ومع التكرار، تتراكم الأشواك، ويُثقل القلب فلا يعود يحسّ بالألم ولا يشعر بحرقة الذنب.

    فالنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية فإن لم تقتله جرحته وهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس فإن لم يحرقه كله أحرقت بعضه

    كل نظرة خاطئة هي سهم مسموم. تخيل كم سهمًا استقبل قلبك دون أن تدافع؟


    القسوة... العدو الخفي

    قسوة القلب لا تصرخ في البداية. لا تطرق بابك مستأذنة. بل تدخل بهدوء، تسرق منك لذة الصلاة، تخطف من قلبك دموع التوبة، تنزع الخشوع من دعائك، حتى تُصبح العبادات مجرد حركات آلية لا توقظ فيك شعورًا.

    وتأتيك لحظة، وأنت تسجد، فلا تشعر بشيء. تقرأ القرآن، فلا يخفق قلبك. تسمع الموعظة، وكأنك تسمع حديثًا عابرًا لا يعنيك.

    وهنا تكون قد فقدت أغلى ما يمكن أن يمتلكه الإنسان: حياة القلب.

    قال الله تعالى: "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله" [الزمر: 22]

    كيف نعيد الحياة إلى قلب ماتت أطرافه؟

    أولًا: ادرك حجم المشكلة. لا تكن كالذي يسير في طريق مظلم ثم يتعجب من وقوعه. اعترف أن قلبك مريض. أن ذنوبك أثقلت كاهله. أن عينيك خانتاه مرارًا. هذه أول خطوة نحو الشفاء.

    ثانيًا: ارجع بقوة. لا يكفي أن تتمنى العودة. لا يكفي أن تحزن على حالك. ارجع إلى الله رجوع المشتاق، رجوع الملهوف الذي لا يطيق البعد لحظة. تُب توبة جادة، توبة من أعماقك، لا مجرد اعتذار عابر.

    ثالثًا: اغسل قلبك بالنور.

    • اقرأ القرآن كثيرًا… لا كواجب ثقيل، بل كدواء يبحث عن شفاء.

    • أكثر من الذكر… فكل "استغفر الله" تمسح غبارًا عن قلبك.

    • قم الليل، ولو بركعتين… ففي ظلمة السجود تُولد أنوار الحياة.

    رابعًا: احرس عينيك كأغلى ما تملك. لأن المعركة تبدأ من العين.

    • أغضض بصرك عن الحرام.

    • لا تتبع النظرة النظرة.

    • استشعر أن الله يراك، وأنك بحفظ بصرك تحفظ قلبك.

    خامسًا: صاحب القلوب الحية. اجلس مع من يذكرك بالله رؤيته. اجلس مع من إذا تكلم، حرّك فيك خوفك ورجاءك. هؤلاء يحيطونك بجو الإيمان، ويوقظون قلبك كلما همّ بالنوم.

    سادسًا: لا تيأس أبدًا. مهما قسا قلبك، مهما بعُدت، مهما طال هجرك للطاعة …

    تذكّر أن الله تعالى يقول: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله." [الزمر: 53]

    يكفي أن تطرق بابه بصدق، وستجد الحياة تتدفق من جديد إلى قلبك الميت.


    رسالة إلى قلبك

    أيها القلب المتعب ... لا تستسلم. لا تسمح للقسوة أن تكون قدرًا محتوما. إن كل دمعة صادقة، كل توبة نصوح، كل ركعة خاشعة … تبني فيك حياة جديدة. ثق أن الله أرحم بك من نفسك. وأنه ينتظرك … نعم، ينتظرك أن تعود إليه.

    ابدأ الآن. لا تؤجل. فلعلّ غدًا لا يأتي.

    Comments

    Rated 0 out of 5 stars.
    No ratings yet

    Add a rating
    bottom of page