top of page

    النفس والروح والجسد ... فمن نحن؟

    • صورة الكاتب: عماد الجبالي
      عماد الجبالي
    • 5 مايو
    • 2 دقائق قراءة

    رحلة النفس بين الفطرة والاختبار… من الميلاد إلى المصير

    في لحظة الميلاد، يولد الإنسان على فطرة التوحيد، نقيًّا كقطرة مطر تهبط من السماء. يحمل في داخله نورًا من الله، هو الروح، ونفسًا قابلة للتشكّل، لا تعرف الشر ولا تحمله في أصلها.

    قال رسول الله ﷺ:

    "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه" [رواه البخاري ومسلم]

    لكن مع مرور الأيام، تبدأ هذه النفس بالتأثر… بالبيئة، بالتجارب، بالشهوات، وتبدأ رحلتها نحو التكوين والتمييز.


    النفس ليست واحدة… بل أطوار تمر بها

    خلق الله الإنسان بنَفْس واحدة، لكنها تمرّ في الحياة بثلاث حالات رئيسية، يتنقل بينها وفق استجابته لله أو لهواه:

    1. النفس الأمّارة بالسوء: تميل إلى الشهوات والغفلة، وتحتاج مجاهدة.

      "إن النفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي" [يوسف: 53]

    2. النفس اللوّامة: توقظ الإنسان بعد الذنب، وتحفزه للتوبة، وتؤنبه على الخطأ.

      "ولا أُقسم بالنفس اللوّامة" [القيامة: 2]

    3. النفس المطمئنة: التي بلغت السكينة ورضيت بالله، فاطمأنّت.

      "يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية" [الفجر: 27-28]

    كل إنسان يحمل هذه الحالات في داخله، ويتقلّب بينها، حتى تستقر نفسه على واحدة منها مع اقتراب الأجل.


    البلوغ… لحظة التكليف وبداية المحاسبة

    حتى يبلغ الإنسان، لا يُحاسب، لأن نفسه لا تزال في طور التشكّل. لكن بعد البلوغ، تبدأ مرحلة المسؤولية، وتفتح أبواب السماء والأرض للاختيار: طاعة أم معصية؟ تزكية أم تدسية؟ جهاد أم استسلام؟

    وهنا تتجلّى عدالة الله، فكل إنسان يُبتلى بما يناسبه:

    "لا يُكلّف الله نفسًا إلا وُسعها" [البقرة: 286]

    رحلة التزكية: من النفس الأمارة إلى المطمئنة

    الهدف من الحياة ليس قتل النفس، بل تهذيبها. وليس قمع الشهوة، بل ضبطها. وليس إنكار اللذة، بل توجيهها.

    قال الله:

    "قد أفلح من زكّاها، وقد خاب من دسّاها" [الشمس: 9-10]

    التزكية هي مشروع العمر، وهي طريق الوصول إلى النفس المطمئنة.


    من أنا إذًا؟

    أنا لست جسدي، لأنه يفنى. ولا روحي، لأنها من أمر ربي. ولا شهوتي، لأنها ميل داخلي.

    أنا النفس المختارة، المكلّفة، المحاسَبة… أنا من يقرر أي طريق أسلك.

    🕊️ ما بعد الموت… هل تدرك النفس رحلتها؟

    حين يحين الأجل، تُقبض النفس، ويبدأ مشهد الاحتضار.

    قال النبي ﷺ في حديث طويل عن موت المؤمن:

    "تخرج روحه كأطيب ريح، فيأخذها ملائكة الرحمة، ويصعدون بها، فتُفتح لها أبواب السماء، ويُقال: ما أطيبك من نفس!" ثم يُكتب كتابه في عليّين. [رواه أحمد وصححه الألباني]

    أما الفاجر، فتُرفض روحه، ويُقال:

    "اكتبوا كتابه في سِجّين."

    🔹 نعم، النفس تدرك هذه الرحلة، وتشهد بشارة أو وعيدًا، فرحًا أو فزعًا.

    🪦 ثم تُعاد إلى الجسد… ويبدأ امتحان القبر

    بعد الصعود، تُعاد الروح إلى الجسد في القبر، إعادة جزئية، فيعيش الإنسان حياة "البرزخ". ويُسأل عن ثلاث:

    • من ربك؟

    • ما دينك؟

    • من نبيك؟

    فإن كان مؤمنًا، يجيب بثبات، ويُفرش له من الجنة. وإن كان غير ذلك، يتلعثم، ويُفتح له باب إلى النار.

    قال النبي ﷺ:

    "القبر إمّا روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار" [رواه الترمذي]

    ⏳ النفس في البرزخ

    في هذه المرحلة، النفس تبقى حاضرة، تدرك، وتشعر، وتُنعّم أو تُعذّب، بحسب حالها في الدنيا. ويستمر الحال حتى يوم البعث والنشور.

    📌 الخاتمة: من الميلاد إلى ما بعد القبر

    النفس تبدأ طاهرة، ثم تُبتلى، وتُكلف، وتُحاسب، وتُصعَّد، وتُعاد، وتبقى…وكل ما بين الميلاد والموت، هو امتحان واحد:

    فهل زكّيت نفسك… أم دسّيتها؟

    Comments

    Rated 0 out of 5 stars.
    No ratings yet

    Add a rating
    bottom of page