هل تُدرك وجود الله؟
- عماد الجبالي
- 4 يونيو
- 3 دقائق قراءة
في لحظات الصمت العميق، حين تهدأ الضوضاء ويغيب كل شيء إلا صوت داخلك … قد يمرّ في ذهنك هذا السؤال: هل أدركت وجود الله حقًا؟
ليس مجرّد الإيمان الذي وُلدت عليه، أو ما يردّده الناس من حولك. بل إدراكٌ حقيقيّ، نابع من القلب، تشعر به في تفاصيل يومك، في دمعة عابرة، في موقفٍ نجوت منه دون سبب، في خفقة قلبٍ مطمئن رغم العاصفة.
الله … ليس فكرة تُقال، بل حضورٌ يُعاش. قال تعالى: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" [ق:16].
إدراك لا يأتي بالعلم وحده
العلم قد يوصلك إلى السؤال، لكن القلب هو من يصل إلى اليقين. تدرك وجود الله عندما ترى حكمته في الأقدار، لطفه في الابتلاء، رحمته في دمعةٍ نزلت فسكنت قلبك بعدها. عندما تمرّ بألم شديد ثم تنهض وأنت لا تعلم كيف … عندما تسمع آية فتشعر وكأنها كُتبت لك وحدك.
قال ابن القيم: "إن في القلب شعث: لا يلمه إلا الإقبال على الله، وعليه وحشة: لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن: لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق: لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات: لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد: لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب، وفيه فاقة: لا يسدها الا محبته ودوام ذكره والاخلاص له، ولو أُعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا!"
الشدائد ... المعلّم الصامت الذي يعيدك إلى الله
حين تضربك الحياة بقوة، قد تظن أن الله ابتعد عنك، أو أنه يعاقبك.
لكن الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون هي:
أن الشدائد ليست دومًا غضبًا، بل أحيانًا نداء حبّ من الله.
نداء يقول لك:
"لقد شغلتك الدنيا كثيرًا، فدعني أوقظك لتعود إليّ."
الشدائد قد تطرق بابك بقوة، لا لتؤذيك، بل لتوقظك. فكم من مصيبة كانت مفتاحًا لباب النجاة؟ وكم من ألمٍ أعاد إنسانًا إلى السجود بعد طول غياب؟
قال تعالى: "وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْأَعْذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" [السجدة:21].
عندما تُغلق الأبواب كلها، يُفتح أو يبقى باب السماء. تُجرد من كل سند، فتُدرك أن الله وحده يكفيك.
لا بأس أن تستاء ... لكن لا تنسَ من أطعمك في الرحم
نعم، لك أن تحزن وتبكي وتتألّم … فأنت بشر. حتى الأنبياء بكوا، وضاقت صدورهم، لكنهم كانوا يعودون سريعًا إلى الله. فلا تجعل حزنك يُنسيك من كان معك حين لم يكن أحد يعلم بك.
في ظلمة الرحم، حيث لا حيلة لك ولا صوت، كان الله يرزقك. قال تعالى: "هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ" [آل عمران:6].
الله… كان أول من رعاك
قبل أن تنظر إلى الدنيا، قبل أن تتعلم الكلام أو تُعرف باسم، كان هناك من يراك. في ظلمات الرحم، حيث لا أحد يعلم بك، كان هو من يرزقك.
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ" [الحج:5]
من أطعمك هناك؟ من وهبك قلبًا ينبض، وجسدًا ينمو؟ من شكّلك بهذا الإبداع؟ من كتب لك رزقك، وأمانك، ونَفَسك الأول؟
لحظة الصدق ... بداية حياة جديدة
حين تصمت كل الأصوات، وتصغي لقلبك، ستسمع النداء: "ارجع إلى ربك." فتُدرك أن الله لم يكن يومًا بعيدًا، بل كنت أنت الغافل.
فتبدأ ترى وجوده في كل شيء: في النجاة، في السكينة، في الشدائد، في النعم. وكلما زاد يقينك، قلت شكواك، وزاد حمدك.
ابحث عن اليقين في أحلك اللحظات
أحيانًا، تكون لحظة الانكسار هي ذاتها لحظة الإدراك. تكتشف أنك كنت تعيش متكئًا على الناس، أو على مال، أو على نفسك … حتى أزاح الله كل ذلك، ليقول لك: "أنا وحدي الكافي."
قال تعالى: "وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا" [النساء:45].
فلا بأس أن تنهار قليلًا … لكن لا تبقَ منكسِرًا بعيدًا. بل عُد إلى من لم يزل يومًا قريبًا منك.
لا تضلّ الطريق … تفكّر
الشدّة ليست فقط ألمًا … بل رسالة. كل موقفٍ عصيب، كل شخص خذلك، كل شيء خسرته، كل دمعة نزلت … تحمل وراءها حكمة.
قيل "ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك." فالله لا يُدبّر عباده عبثًا، ولا يبتليهم إلا لينقّيهم، ويقربهم، ويرفعهم.
لكنك تحتاج أن تتدبّر. تسأل نفسك: "لماذا حدث هذا؟ ما الذي يريدني الله أن أراه؟"ولا تنشغل فقط بالحزن، فتفقد المعنى.
الشدائد ليست دائمًا غضبًا … بل أحيانًا نداء محبة
قد يُبعد الله عنك بعض النِعَم ليُقرّبك إليه، وقد يسمح ببلاءٍ لينزع عنك التعلق بمن لا ينفع. فلا تسأل فقط: لماذا أنا؟ بل اسأل: ماذا يريد الله مني؟ وقد تكون الإجابة: يريدك أن تعود.
عد كما كنت … بلا حول ولا قوة، لكن مليء بالثقة
عد إلى الله كما كنت في بطن أمك: لا تملك إلا حاجتك، ولا تحمل إلا قلبك. فهو أول من رأى ضعفك، وأول من منحك القوة، وأول من أحبك قبل أن تحب نفسك.
فهل تُدرك الآن وجوده؟ أم لا تزال تنتظر أن تُطرَق بقوة حتى تفتح له الباب؟
دع قلبك يجيب… فقد اشتاق لمن خلقه.
コメント