كل شيء في السجود
- عماد الجبالي
- 3 مايو
- 3 دقائق قراءة
عندما يضيق صدرك وتضطرب روحك، وتختلط عليك دروب الحياة، ستجد في السجود مخرجًا، وإن لم يتغير شيء في الواقع من حولك، فإن كل شيء في داخلك سيتغير… لأن كل شيء في السجود.
السجود ليس مجرّد حركة جسدية يؤديها المسلم في صلاته، بل هو قمة الانكسار لله، ومنتهى القرب، وأعمق موضع يلتقي فيه القلب بخالقه. هو المكان الذي تسقط فيه الكبرياء، وتُخلع فيه الألقاب، وتنهار فيه الجدران التي شيدتها الأنا، ليبقى العبد في صورته الحقيقة: ضعيف، محتاج، راجٍ، محب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء" فكيف يمكن أن يكون أقرب ما نكون إلى الله ونحن على الأرض وجوهنا في التراب؟ الجواب: لأن السجود يحطّ من كبريائنا، ويعلّي من عبوديتنا. وفي كل لحظة عبودية صادقة، هناك قرب من الله.
في السجود... تتكلم الروح وتخرس الشكوى
كم مرة شعرت بالعجز، ولم تجد من يفهمك؟ كم مرة بكيت من غير أن يسمعك أحد؟ في السجود، لا تحتاج أن تشرح، لا تحتاج أن تبرر، ولا حتى أن تطلب بدقة… الله يعلم ما في قلبك ويحب أن يسمعه منك. في السجود، أنت لا تضع جبهتك على الأرض فقط… بل تضع أوجاعك، وخيباتك، وخوفك، وأحلامك، وتقول في صمت: "اللهم أنت حسبي"
في السجود... يتجلى السند الحقيقي
في الحياة، يحتاج الإنسان إلى سند من البشر، وكلما كان لهذا السند قوة ونفوذ، كان مطمئنًا بأن مصالح دنياه ستُقضى، سواء بالحق أو بالباطل. لكن ماذا لو فُقد هذا السند؟ ماذا لو رحل الأب؟ أو غاب من كان يساندك، ولو كان ذا سلطان؟ الإنسان في هذه الحالة يشعر بالفراغ، بالضياع، بالخوف… وكأن ظهره انكسر، ولم يعد يملك من يرفعه من سقطاته.
لكن المؤمن... شيء آخر. المؤمن يعلم أن السند الحقيقي ليس في بشر، بل في الله. وأن القوة ليست في مناصب، بل في الإيمان. فإن سجد، شعر بالطمأنينة. وإن فقد، لم يفقد الأمان. لأنه في كل مرة يسجد فيها، يستند على الله، الذي لا يغيب، ولا يُهزم، ولا يُرد أمره.
بين السجود لله والسجود للخلق... فرق في العزة
هنالك من يسجدون فعليًا للبشر… يخضعون لهم خضوع الذل، يلعقون الأقدام ليبقوا في المناصب، ينحنون خوفًا، ويعيشون تحت سقف الامتعاض والغضب، يهابون من فوقهم ويكتمون أنفاسهم…يعيشون في خوف دائم من سادة لا يرحمون، ويبيعون كرامتهم لأجل مصلحة دنيوية مؤقتة.
أما المؤمن…فإنه يسجد لله محبةً وخشيةً ورهبة، لكنه يقف بين الخلق شامخًا، معتزًا، مرفوع الرأس…لأن خضوعه لله عزة، وسجوده كرامة، وعبوديته رفعة.
الناس يسألون بشرًا يحتاجون مواعيد ووساطات، ويخافون إن زلّ لسانهم، أو تأخر طلبهم. أما المؤمن، فيقف بين يدي الله متى شاء، يطلب من ربه بلا إذن، ويتكلم بلا خوف. يسأل، ويبكي، ويتضرع، ويعلم أن خالقه لا يمل من دعائه، بل يفرح بقربه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله لا يمل حتى تملوا" وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله:
"حسب نفسي عزًا أنني عبد، يحتفي بلا مواعيد ربه، هو في ملكه الأعز، ولكن أنا ألقى متى وأين أحب."
حين تزيد في الصلاة بإرادتك... يزداد إيمانك
إن أداء الصلاة بالحد الأدنى صحيح ومقبول، ولكن من أراد أن يذوق لذة القرب، فليزيد. اختر سورة طويلة في الركعة، سبّح الله أكثر من ثلاث، اجلس مطولًا بين السجدتين، اسجد وأطل السجود. تلك الزيادة التي تأتي برضاك، هي التي تُزهر في قلبك نور الإيمان. لأنك لا تصلي فقط لأداء الواجب، بل لأنك تشتاق، تحب، وتستمتع. تصلي لا لأنك "مجبور"، بل لأنك حرٌّ في حبك للّه، تنتظر الصلاة لا لتتخلص منها، بل لأنها موعدك الأجمل مع الله.
اسجد… فإنك لن تُذل وأنت بين يدي العزيز
قد تقول: لا أعرف أدعية كثيرة … قد تقول: لا أشعر بشيء أحيانًا … أقول لك: اسجد على أي حال. اسجد وأنت تائه … فالسجود يهديك. اسجد وأنت مهموم … فالسجود يشرح صدرك. اسجد وأنت فارغ … فالسجود يملؤك. اسجد، لأن السجود هو بداية الطريق، وعمق المعنى، وخلاصة الحياة.
كل شيء في السجود … لأن فيه الله، ومن وجد الله … وجد كل شيء.
コメント