top of page

    غذاء الروح... حين تتذوق العبادة لا تعود كما كنت

    • صورة الكاتب: عماد الجبالي
      عماد الجبالي
    • 22 أبريل
    • 4 دقائق قراءة

    في زحمة الحياة، نأكل لنشبع، نعمل لنكسب، نركض لنلحق، لكننا ننسى أن في داخلنا شيئًا لا يشبعه طعام، ولا يرويه مال، ولا يهدّئه نجاح.

    إنه الروح.

    والروح لا غذاء لها إلا من السماء...

    وغذاؤها هو العبادة.

    العبادة ليست مجرد حركات اعتدنا عليها منذ الصغر، ولا طقوسًا نمارسها لأننا خُلقنا في بيئة تصلي وتصوم، بل هي صلة حقيقية بين العبد وربه،

    هي لحظة الصفاء،

    هي نبض القلب حين يقول: الله أكبر ويشعر بها،

    هي دمعة تسقط في السجود في وقتٍ لا يراك فيه أحد،

    هي لحظة قيامك في جوف الليل وسكون العالم، فقط لتناجي ربك.



    الفرق بين من "يصلي" ومن "يقوم للعبادة"

    كثيرون يصلّون، نعم، لكن القليل فقط هم من يتذوقون لذة الصلاة.

    كثيرون يقرأون القرآن، لكن من يعيش في كل آية؟

    من يقف في الليل ويطيل الركوع لا لأنه مأمور فقط، بل لأنه لا يشبع من القرب؟

    من يقرأ سورة طويلة في كل ركعة، لا لأنه يريد ختمًا، بل لأنه وجد فيها حياة؟

    قَالَ الله تَعَالَى : [إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ] [العنكبوت:45]
    1/1042- وَعنْ أَبي هُرَيْرةٍ رضي الله عنه قَال: سمِعْتُ رسُول اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: أَرأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِباب أَحَدِكم يغْتَسِلُ مِنْه كُلَّ يَوْمٍ خَمْس مرَّاتٍ، هلْ يبْقى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ؟ قالُوا: لا يبْقَى مِنْ درنِهِ شَيْء، قَال: فذلكَ مَثَلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، يمْحُو اللَّه بهِنَّ الخطَايا متفقٌ عَلَيْهِ.
    2/1043- وعنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: مثَلُ الصَّلواتِ الخَمْسِ كمثَلِ نهْرٍ جارٍ غمْرٍ عَلى بَابِ أَحَدِكُم يغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خمْسَ مرَّاتٍ رواه مسلم.


    العبادة التي تغيّرك...

    ليست العبادة الحقيقية أن تصلي وتصوم فقط، بل أن تُحسّ أن العبادة تغيّرك.

    أن تجد نفسك بعد القرآن أكثر وعيًا، وبعد السجود أكثر هدوءًا، وبعد التوبة أكثر صدقًا.

    العبادة تُنظّف روحك من الداخل، تُعيد ترتيب أولوياتك، وتُعيدك إلى أصل فطرتك.

    حين تعيش العبادة كغذاء، لا كواجب، تصبح الحياة أعمق.

    تُصبح مشاكلك أخف، وتفاصيل يومك أجمل، لأنك تحمل بداخلك سكينة لا يملكها إلا من اقترب من الله.



    العبادة ليست عادة... إنها حياة

    مؤلم أن نرى من يُصلي منذ سنين، لكنه لم يعرف لذة القرب.

    من يصوم، لكنه لم يذق حلاوة الصبر.

    من يحج ويعتمر، لكنه ما زال يحمل قلبًا غافلًا.

    النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي لأن ذلك مفروض عليه فقط،

    بل كان يقول: " أرحنا بها يا بلال."

    إنها راحة، وسكينة، واستراحة روح وسط تعب العالم.

    والصحابة كانوا إذا قاموا الليل، كأنهم في عالم آخر.

    هل تعلم أن بعضهم كان يقرأ سورة البقرة كاملة في ركعة واحدة؟

    لا لأنهم يتنافسون في الحفظ، بل لأنهم يتلذذون بالكلام مع الله.



    العبادة تهذيب للقلب... لا أداء للجسد

    من ذاق لذة العبادة، لا يمكن أن يؤذي الناس،

    لأن من سجد لله خاشعًا، لا يرفع صوته في وجوه الخلق،

    ومن ناجى ربه ليلًا، يكون رحيمًا بالناس نهارًا.

    العبادة تُهذب، وتُطهّر لا فقط تَطهُر.

    فلا تنظر للعبادة كمجرد “أداء” تؤديها لتبرأ ذمتك،

    بل انظر إليها كأكسجين يومي لروحك.



    التفكر... كان طريق الأنبياء قبل التكليف

    قبل أن يُكلف الأنبياء بالرسالة، كانت عزلتهم وعبادتهم وتفكرهم سبيلًا لصفاء أرواحهم.

    كان النبي صلى الله عليه وسلم يختلي في غار حراء، يتأمل في خلق السماوات، يتفكر في الحق، يطلب النور.

    وهكذا كان حال الصالحين والأتقياء... ما من أحدٍ خُصّ بنورٍ إلا وكان له خلوة، وعبادة، وتفكر.

    فهل جربت أن تعبد الله وأنت تستشعر كل آية، وكل سجدة، وكل دمعة؟

    هل تذوقت طعم القيام ليلًا والناس نيام؟

    هل دخلت في صلاتك ونسيت الدنيا من حولك؟



    أثر العبادة في النفس... سكينة لا تُشترى

    حين تضيق صدورنا، نبحث في الخارج: في السفر، في الترفيه، في العلاقات...

    لكن القلب لا يرتوي إلا من الله.

    الصلاة، الذكر، الخلوة بالقرآن... كلها مفاتيح سكينة.

    قال تعالى: " ألا بذكر الله تطمئن القلوب."

    حتى العلماء اليوم يتحدثون عن أثر التأمل والهدوء على الجهاز العصبي...

    لكننا نحن نملك ما هو أعمق: خشوع الصلاة، وبكاء التوبة، ودفء الذكر.



    لذة العبادة لا تأتي فجأة... بل بالصبر والاستمرار

    لا تظن أن لذة العبادة تأتي من أول ركعة...

    بل تأتي بعد مجاهدة النفس، بعد ليالٍ تُصلي فيها بقلبٍ متعب،

    ثم تبكي فجأة في سجدة لا تدري لماذا،

    وتدرك أن شيئًا بداخلك بدأ يشفى.

    قال ابن القيم رحمه الله: وَمِنْهَا: -أي من آثار الذنوب والمعاصي- وَحْشَةٌ يَجِدُهَا الْعَاصِي فِي قَلْبِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، لَا تُوَازِنُهَا، وَلَا تُقَارِنُهَا لَذَّةٌ أَصْلًا، وَلَوِ اجْتَمَعَتْ لَهُ لَذَّاتُ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا، لَمْ تَفِ بِتِلْكَ الْوَحْشَةِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَحِسُّ بِهِ إِلَّا مَنْ فِي قَلْبِهِ حَيَاةٌ، وَمَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامٌ، فَلَوْ لَمْ تُتْرَكِ الذُّنُوبُ إِلَّا حَذَرًا مِنْ وُقُوعِ تِلْكَ الْوَحْشَةِ، لَكَانَ الْعَاقِلُ حَرِيًّا بِتَرْكِهَا. وَشَكَا رَجُلٌ إِلَى بَعْضِ الْعَارِفِينَ وَحْشَةً يَجِدُهَا فِي نفسه، فَقَالَ لَهُ: إِذَا كُنْتَ قَدْ أَوْحَشَتْكَ الذُّنُوبُ ... فَدَعْهَا إِذَا شِئْتَ، وَاسْتَأْنِسِ،، وَلَيْسَ عَلَى الْقَلْبِ أَمَرُّ مِنْ وَحْشَةِ الذَّنْبِ عَلَى الذَّنْبِ، فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

    كيف أستعيد لذة العبادة إذا فقدتها؟

    • غيّر روتين صلاتك: جرّب قراءة سور جديدة.

    • صلِّ في مكان هادئ.

    • ادعُ الله أن يحبب إليك العبادة ويكره إليك الغفلة.

    • اجعل العبادة وقتًا للتفرغ لا وقتًا تنشغل فيه بما بعد الصلاة.

    • تأمل قبل الصلاة: "لمن أقف؟ ولِمَ أقف؟ وماذا أقول؟"



    ابدأ من الليلة... غذِّ روحك

    لا تؤجل هذا الطريق.

    ابدأ بركعتين في جوف الليل، بقلبك لا فقط بجسدك.

    افتح المصحف، واقرأ ببطء كأنك تسمعه لأول مرة.

    قل له: يا رب، اجعلني من الذين يعبدونك كما يليق بجلالك، لا كما اعتادت أجسادنا.


    "اللهم ارزقنا لذة العبادة، ولذة الخلوة بك، ولذة السجود الطويل، ولذة قيام الليل، واجعل قلوبنا تحيا بك، وتأنس بك، وتشتاق إليك، ولا تستغني عنك طرفة عين."


    Comments

    Rated 0 out of 5 stars.
    No ratings yet

    Add a rating
    bottom of page