حين يصدق العقل … ويسكت القلب
- عماد الجبالي
- 10 يونيو
- 2 دقائق قراءة
في رحلة الإيمان، كثيرًا ما يُقال إن العقل هو مفتاح الهداية. لكن الحقيقة الأعمق أن العقل مصدر اليقين، بينما القلب … هو مصدر الإيمان، ومصدر الحب والكره، وهو المسؤول عن عمل الإنسان وجهده، حتى لو كان متعبًا، حتى لو خذله الجسد.
ولذلك، لا يُقبل على الطاعة من يدركها بعقله فقط، بل من يحيا بها قلبه.
قد تعي أن الصلاة فرض، والزكاة حق، والصيام فريضة، لكن لا تنهض لتفعل شيئًا من ذلك إلا إذا تحرك قلبك. القلب هو المحرّك، هو الباعث، هو الذي يشتعل شوقًا أو ينطفئ غفلة.
الخوف من الله لا يصنعه الكلام … بل تصنعه الخلوات
إن تحرّي الحلال، والابتعاد عن ذنوب الخلوات تحديدًا، هو أول طريق الخوف من الله.
لأنك حين تترك شيئًا لوجه الله وأنت وحدك، حين لا يراك أحد، ولا يراقبك أحد، وتعلم أنك إن أردت أن تفعل لفعلت … لكنك لم تفعل تعظيمًا لله، حينها فقط، يبدأ قلبك يشعر بالتقوى.
قالوا: "التقوى أن تعظم الله في قلبك، حتى لا تجرؤ على معصيته، وإن كنت في ظلمةٍ لا يراك فيها بشر."
لكن ماذا لو … لم نَشعُر بشيء؟
ماذا نفعل إذا كان العقل مصدقًا، يؤمن بكل شيء … ويعرف كل شيء، لكن القلب فارغ؟
ماذا لو أصبحنا نردد كلام الله في الصلاة، ويخرج من أفواهنا كأصوات مكررة، لا يستوعبه العقل، ولا يصل إلى القلب؟
ماذا نفعل عندما يصبح الذكر عادة، والتكبير حركة، والسجود انحناءً لا يحمل أي انكسار داخلي؟
في الصلاة السرية … يتضح الفراغ
أصعب اللحظات ليست في الصلاة الجهرية، فالصوت يعين الأذن، والآيات توقظ الانتباه.
لكن في الصلاة السرية، عندما لا يسمعك أحد، ولا تسمع نفسك، يصبح الكلام بينك وبين الله بلا وسيط، لكن للأسف … قد يصبح بلا حضور.
تُتمتم بآيات الله … لكنك لا تسمعها، ولا يعيها عقلك، ولا تشعر بها روحك.
وكأن هناك حاجزًا بين الكلام والعقل، وحاجزًا آخر بين الكلام والقلب.
وهنا تشعر بشيء مؤلم: فراغ في القلب … كأنه ينقصه قطعة. كأن هناك شيئًا ناقصًا فيك، لا يُملأ بصوتٍ خارجي، ولا بكلماتٍ تُقال … بل بعبادة حقيقية لله.
فما الحل؟
الحل ليس في جلد الذات، ولا في اتهام الإيمان، بل في العودة خطوةً إلى الوراء:
أن تسأل نفسك: لماذا أصلي؟
أن ترفع صوتك قليلًا في الصلاة السرية لتسمع ما تقول.
أن تُمهل قلبك وقتًا … فهو لا يُشفى بضغطة زر، بل بصدق التوجّه.
وأن تدعو: "اللهم املأ قلبي إيمانًا، ونورًا، وحياة."
فقد روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك".
لا تخف من هذا الفراغ الذي شعرت به … فهو أول الطريق.
من لم يشعر بفراغ القلب، لن يبحث عمن يملأه.
وما يملأ القلب إلا الله.
Comments