top of page

    حين تتكلم الألسنة وتصمت القلوب

    • صورة الكاتب: عماد الجبالي
      عماد الجبالي
    • 28 أبريل
    • 2 دقائق قراءة

    نقرأ القرآن ... نسبّح، نستغفر، نصلي ... ولكننا - لو صدقنا مع أنفسنا - نشعر أن القلب صامت. أن الكلمات تمرّ على الشفاه، لكنّ القلب لا يرددها.أن الذكر يُقال، ولكن لا يهتز له الوجدان.

    كيف حدث هذا؟ كيف غدونا نمارس الدين وكأننا نحفظ نصوصًا لا روح فيها؟ كيف أصبحنا نقول: "الله أكبر"؟ كيف نقول: "سبحان الله" ولا تنكسر أرواحنا من عظمة تسبيحه؟

    إنها الفجوة الخطيرة ... الفجوة بين اللسان والقلب. حين انفصل العمل عن الشعور، والأداء عن الحياة.


    لماذا فرغت قلوبنا؟

    لأننا عشنا مع الدين عادةً لا حياة. كبرنا ونحن نردد الأذكار والآيات، دون أن نتوقف لنسأل أنفسنا:

    • ماذا يعني أن أقول "الله أكبر" وأنا منشغل عن عظمة الله؟

    • ماذا يعني أن أستغفر وأنا لا أعيش لحظة الندم؟

    • ماذا يعني أن أذكر الله بلساني، وقلبي غارق في الغفلة؟

    لقد دخلت الآيات في آذاننا آلاف المرات، ولكن كم مرة سمحنا لها أن تسكن قلوبنا بصدق؟

    عشنا زمن السرعة، وأنهينا العبادات وكأننا ننجز مهمة، ففقدنا الحياة التي كان من المفترض أن تتغلغل إلى أرواحنا من خلالها.


    حين يتحول صوت القرآن إلى معزوفة

    ومن صور فراغ القلب المؤلمة، أننا حين نريد أن نستمع إلى القرآن الكريم، لا نفكر أننا نستمع إلى كلام الله جل جلاله، بل نبحث عن قارئ ذي صوت عذب، نختار بانتقائية كما نختار ألحانًا تطيب بها آذاننا.

    نتأثر بعذوبة الصوت كما لو أننا نستمع إلى معزوفة، وننسى أن الكلمات التي تتردد هي رسالة الله الحيّة إلينا.

    لو كنا نستمع كما ينبغي، لسمعنا القرآن وكأن جبريل عليه السلام ينقله إلى قلوبنا مباشرة، كما نقله إلى قلب محمد صلى الله عليه وسلم.

    لو أدركنا أن الله هو الذي يتكلم، لارتجف السمع، وخشعت الأرواح، ولما تساوت عندنا الأصوات، ولا استوينا بين مستمعٍ ومنصت.

    إننا لا نُلام على التلذذ بحسن الصوت، لكن الخطر أن يُعجبنا الأداء ونغفل عن عظمة المتكلِّم.

    أن نحضر بآذاننا ونغيب بقلوبنا.


    بداية الطريق إلى حياة القلب

    ابدأ بهذا اليقين: كلما قرأت أو سمعت آية، خاطب نفسك:

    • هذا كلام ربي...

    • هذا نداء لي...

    • هذا توجيه خاص بي في هذه اللحظة.

    توقف مع كل كلمة، واستشعر كأن جبريل عليه السلام ينقلها إليك، وكأنك تتلقاها مباشرة من الله عز وجل.

    عندها فقط ... سيبدأ القرآن يخترق الغشاوة التي تراكمت على قلبك، وسيبدأ الذكر يحيا لا يُردد.


    كيف نعيد الروح إلى عباداتنا؟

    • أن نتوقف قبل كل تسبيحة، ونسأل أنفسنا: "هل أشعر بها؟"

    • أن نخاطب الله بقلوبنا: "يا رب، اجعلني أعيش ما أقول."

    • أن نستحضر كل معنى، ونعيشه لحظة بلحظة.

    • أن نطرد العجلة من عبادتنا، ونمنح لكل ذكر فرصة أن يُثمر في القلب.

    واعلم أن ربك لا ينظر إلى حركاتك بقدر ما ينظر إلى قلبك حين تتحرك.

    قال صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله. ألا وهي القلب." (متفق عليه)

    ومضة ختامية

    القرآن ليس معزوفة، ولا مجرد نصٍ جميل. القرآن حياة ... ونبض ... ووحي نزل من فوق سبع سماوات رحمة بنا.

    فاستمع إلى القرآن كأنك على جبل النور، تسمع جبريل عليه السلام يبلغك أول كلمات النور:

    ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾

    عندها فقط ... لن يكون القرآن مجرد صوت، بل سيكون حياة جديدة تسري في عروق روحك.

    Comments

    Rated 0 out of 5 stars.
    No ratings yet

    Add a rating
    bottom of page