بين الركعة والتطبيق… كيف نحفظ الصلاة من التلاشي؟
- عماد الجبالي
- 27 أبريل
- 2 دقائق قراءة
في زحمة الحياة... وسط الهموم المتراكمة، والأعمال المتلاحقة، نقف بين يدي الله ركعة بعد ركعة. لكن... هل نحن فعلاً نصلي؟ أم أننا فقط نؤدي حركات اعتدناها منذ الطفولة؟
الصلاة لم تكن يوماً مجرد أركان وحركات محفوظة. الصلاة كانت وما زالت موعداً للقلب مع ربه... لقاءً مع السماء على أرض مزدحمة بالتعب. هي لحظة يغتسل فيها الوجدان من غبار الدنيا، لا أن تُؤدى بسرعة وكأنها مهمة ثقيلة نلقي بها عن كاهلنا.
ولكن كيف بدأنا نفقد هذه الروح؟ كيف أصبحت صلاتنا أحياناً أقرب للعادة منها للعبادة؟
حين نفهم أن الصلاة ليست مجرد فرض نؤديه، بل حياة نتنفسها، ستتغير نظرتنا لها بالكامل. الصلاة هي وعد بالراحة،
- عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ، فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها" الراوي : رجل من خزاعة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : 4985 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أبو داود (4985)، وابن أبي شيبة في ((مسنده)) (940)، والإسماعيلي في ((معجم الشيوخ)) (211) واللفظ لهم تامًا.
حين نكبر "الله أكبر"، هل نستشعر أن الله أكبر فعلاً من كل شيء يشغلنا؟ حين نقرأ الفاتحة، هل نسمعها بآذان قلوبنا أم نمر عليها مرور العابرين؟
استحضار القلب يعني أن ندخل الصلاة ونحن ندرك عظمة من نقف بين يديه، ونتخلى عن الدنيا ولو لثوانٍ معدودات.قال بعض السلف:
"إذا قمت إلى الصلاة فاحذر أن يكون أول من يناجيه قلبك هو غير الله."
وهنا يكمن السر الأكبر: ليست الصلاة فقط بين الركعات نحفظها، بل بين الصلوات أيضًا. الصلاة تناديك ألا تكون في الدنيا متقلبًا كما تتقلب الرياح، بل ثابتًا كما تغرس الصلاة جذورك في السماء. من لم تظهر آثار صلاته في سلوكه وصدق لسانه وأمانته في عمله، فليعلم أن في صلاته خللاً.
قال الله تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}(سورة العنكبوت: 45)
فلو لم تنهك صلاتك، ففتش في قلبك: أين ضاع خشوعك؟
ولا تتوقع أن تبلغ تمام الخشوع من أول يوم ... فهي مجاهدة يومية، ومعركة صامتة تخوضها مع نفسك كلما شردت، حتى تعود بقلبك إلى محراب القرب.
لذلك قال تعالى: {والذين هم على صلاتهم يحافظون} (سورة المعارج: 34) لأن الكنوز تحفظ، ولا تترك بلا حراسة.
وإذا شعرت بثقل، أو خذلان قلبك، فارفع يديك وقل: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك."
تخيل أن بابًا من نور فُتح لك في ظلمة الدنيا ... باب لا يطرقه سواك، ولا يفتح إلا لك وحدك ... باب كلما دخلت منه، أحسست أن كل ألمٍ في صدرك يتلاشى، وكل حزنٍ يذوب، وكل خوفٍ يأوي إلى أمان.
هذا الباب ... اسمه الصلاة.
فلا تجعلها مجرد موعد روتيني، ولا تسمح أن تغدو عادة باردة لا حياة فيها. صلِّ كما لو أنك ترى الله ... صلِّ وأنت تستشعر أن سجدةً واحدة قد تغير قدرك، وتفتح لك أبواب السماء المغلقة. واجعل لكل ركعة في قلبك دمعة، ولكل سجدة أمنية تهمس بها إلى ربك ... صلِّ وكأنك تقف يوم القيامة للحساب وهذه الركعة هي الفيصل بين دخولك النار والجنة.
فإن من أعظم الخسارة أن نؤدي الصلاة ولا نذوق لذتها، أن نركع ولا نقترب، أن نسجد ولا ننكسر خضوعًا بين يديه.
الصلاة ... إن حفظتها بقلبك، حفظت حياتك كلها. وإن أديتها بروحك، صارت لك نورًا في الدنيا، ونجاةً في الآخرة.
فهلّا عدنا إلى باب الله بقلوبٍ باكية لا تملّ الوقوف؟
コメント