الذنب الذي يشلّ روحك … لماذا تُصبح العبادة ثقيلة؟
- عماد الجبالي
- 3 يونيو
- 3 دقائق قراءة
تخيّل نفسك عدّاءً في مضمار مفتوح … تنطلق نحو الله بقلب خاشع، تستشعر لذة السجود، وأُنس الذكر، وراحة البكاء بين يديه. ثم تقع في ذنب … ربما لم يكن الأول، لكن هذه المرة كان مختلفًا … استقر في قلبك، لم تعد تكرهه كما كنت. بل وجدت نفسك تستسيغه.
وهنا تبدأ الرحلة نحو النفور…
حين يُستساغ الذنب … تُصاب الروح بالخدر
الذنوب ليست فقط أفعالًا مخالفة … بل هي سموم تدخل إلى القلب، وإذا لم تُطرد سريعًا بالتوبة، تتحوّل إلى أثقالٍ داخلية، تمنع القلب من الحركة نحو الله.
تشعر بها حين تهمّ للصلاة فلا تقوى … حين تفتح المصحف وتقرأ فلا يلامس قلبك … حين تسمع الأذان فلا تتحرك … حين تحاول أن تذكر الله، لكن لسانك لا يطاوعك … كأن بينك وبين الله جدارًا من الصمت.
اللسان صامت … والقلب مضطرب
تجلس وحدك، تشعر أن الذكر ثقيل، تفتح فمك لتقول: "أستغفر الله"، لكن الصوت لا يخرج.
تصمت … وتشعر أن هذا الصمت ليس راحة، بل ضيق وضنك … نعم، هو الضنك الذي تحدّث عنه الخالق القرآن:
قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ (طه: 124)
ضنك لا يشبه ضيق الجيب، بل ضيق الروح، اختناق الإيمان، التيه الذي يجعل كل شيء بلا طعم.
حين يغلب الذنب … يُختم القلب
مع تكرار الذنب دون توبة، يحدث شيء أخطر … شيء لا يُرى … لكنه يحجب نور القلب تدريجيًا. هذا ما يُسميه القرآن: الرّان.
قال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (المطففين: 14)
"الرّان" هو غلاف روحي يتكوّن على القلب من أثر الذنوب أو نقاط سوداء، حتى يعجز القلب عن رؤية الحق أو استشعار الذكر. يصبح القلب مظلمًا، مشوشًا، خافتًا … حتى وإن صلى صاحبه … فكأن روحه لا تسجد.
لماذا يُعطّل الذنب عبادتك؟
لأن الذنب إذا استقر ولم يُتاب منه، يبدأ يزرع فيك وهمًا بأنك لا تستحق القرب، ويهمس لك:
"ما عدت نقيًا" "لا تُصلِّ … لن تُقبل" "لا تُسبّح… الله لا يريدك بعد الآن"
وهنا، إن صدّقت هذا الصوت … تبتعد فعليًا. تُصاب بما يشبه الشلل الروحي.
وإذا طال الأمد… يُنسى القلب
ويختم الله على هذه الحالة في قوله:
قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126)﴾ (طه: 124–126)
نسي الآيات … نسي الذكر … نسي الله، فنُسي.
وشتّان بين من يخطئ ويتوب، ومن يخطئ ثم ينسى الله، حتى يُنسى هو في الآخرة.
لكنّ الباب… لا يُغلق أبدًا
أنت الآن حي، تشعر بالضيق؟ هذا يعني أن قلبك لم يمت.
تشعر بالذنب؟ هذا يعني أن فيك نورًا لا يزال يقاوم.
تذكّر:
ليس الذنب هو الذي يُبعدك عن الله،بل استمرارك فيه دون توبة، هو ما يُعطّلك.
والعبادة التي تراها ثقيلة الآن … هي نفسها الدواء.
صلِّ ولو بصعوبة … استغفر ولو دون دمعة … سبّح ولو بصوتٍ خافت…
إنك بذلك تدقّ الباب … والله يفتح.
الطريق إلى النور يبدأ من ها هنا
كل توبة صادقة … تُزيل حجرًا من ظهرك.
وكل دمعة … تغسل أثر الذنب من قلبك.
وكل سجدة … تفتح لك نافذة نور.
أخطأت؟ نعم. تبت؟ نعم. إذن … أنت تستحق القرب من الله، لأن الله يقبل التائبين.
كلمة إلى قلبك…
لا تجعل الذنب نهاية الطريق، بل اجعله منعطفًا تبدأ منه من جديد.
الله لا يريدك نقيًّا بلا خطأ، بل يريدك صادقًا، راجعًا، خاشعًا، نادمًا… ثم ناهضًا.
قال تعالى: ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)﴾ (الأعراف: 156) … وأنت شيء.
Comments