top of page

    استثمار الطاعة... بإغلاق أبواب الشر وتطهير الطريق

    • صورة الكاتب: عماد الجبالي
      عماد الجبالي
    • 25 أبريل
    • 3 دقائق قراءة

    كلنا نعرف أن الطاعة تقربنا من الله، وتزيد نور القلب، وتزرع السكينة في داخلنا، لكن... كم مرة صلّيت بخشوع، ثم خرجت لتقع في غفلة؟ كم مرة ختمت القرآن، ثم ضاعت البركة من يومك؟ كم مرة قمت الليل، ثم استيقظت ونظرك وقع على ما لا يرضي الله؟ هذا ليس ضعفًا فقط، بل هو تسريبٌ للطاعة... عبر منافذ الشر.

    تمامًا كما لو أنك تملأ وعاءً بالماء، ثم تترك فيه ثقوبًا مفتوحة، لن يُبقي الماء، مهما ملأته.


    الطاعة تحتاج حماية... لا تكتفِ بالبناء واهدم بأخرى

    العبادة طاقة نور، ولكن هذه الطاقة تُستهلك إن لم تحمها. تقرأ القرآن صباحًا، ثم تفتح جوالك على مقاطع تافهة. تصلي الفجر في جماعة، ثم تُمضي وقتك في غيبة أو جدل فارغ. تدعو في جوف الليل، ثم تستيقظ على لهو ومشتتات.

    وهنا، لا يضيع الأجر فقط، بل يضعف الأثر. فالطاعة لها أثر تربوي، إصلاحي، قلبي، وكلما أغلقت عنها أبواب الشر، بقي أثرها حيًا فيك، وغيّرك فعليًا.


    لا يكفي أن تفعل الخير... بل امنع الشر

    قال الله تعالى: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره." الميزان دقيق، والقلب كذلك لا يجتمع فيه نور وخراب.

    قال الله تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" {النور:30}

    فهل يعقل أن تفتح نافذة للهوى وأنت تبني بيتًا بالإيمان؟ هل يُعقل أن تسقي شجرة الطاعة بيد، وتقطع جذورها باليد الأخرى؟


    إغلاق النوافذ... عبادة خفية لا يراها الناس

    قد لا يُثني عليك أحد حين تغلق جوالك عن الحرام، أو تمسك لسانك عن الغيبة، أو تحذف تطبيقًا يُشغلك عن صلاتك، لكن الله يعلم.

    بل إن هذه المجاهدة قد تكون أعظم أجرًا من عبادة ظاهرية، لأنها تُظهر صدقك، وخوفك، وإخلاصك.

    استثمار الطاعة لا يكون بكثرتها فقط، بل بحمايتها أيضًا.


    كل شيء سلاح ذو حدّين... فاختر كيف تستخدمه

    في هذا العصر، تتنوع الوسائل من حولنا: الهاتف، المال، الوقت، العلاقات... وكلها أسلحة ذات حدين: إما أن تستخدمها للتقرب من الله، أو أن تفتح بها أبواب الغفلة والبعد عنه.

    الهاتف مثلًا قد يكون مصحفًا وأداة علم، وقد يكون نافذة فتنة. الفراغ قد يكون وقتًا للعبادة، وقد يتحول إلى وقت ضياع.

    قال الإمام الشافعي: "إن لم تشغل نفسك بالحق، شغلتك بالباطل."

    السؤال ليس: هل هذا حلال؟بل: هل هذا يقربني أم يبعدني؟ هل يُحيي قلبي أم يُضعفه؟

    تحرّي الحلال... شرط قبول الطاعة وبقاء أثرها

    الطاعة ليست فقط ما نفعله في المسجد،بل تبدأ من رزقنا، تعاملنا، أقوالنا، ونظراتنا.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيّب لا يقبل إلا طيبًا..." ثم ذكر الرجل يمد يديه بالدعاء، ومطعمه ومشربه وملبسه من حرام، وقال: "فأنّى يُستجاب لذلك؟"
    • هل رزقك نظيف؟

    • هل عملك خالٍ من الغش؟

    • هل كلامك خالٍ من الكذب والمجاملة الفارغة؟

    الطاعة لا تسكن قلبًا ملوّثًا... فطهّر الطريق أولًا، ثم اسلكه.


    لا إفراط ولا تفريط... التوازن في السير إلى الله

    في طريقك إلى الله، لا يُطلب منك أن تعتزل الحياة، ولا أن تغلق على نفسك كل باب، لكن لا يُقبل أن تنفتح على كل شيء وتقول: "الإيمان في القلب".

    الميزان الصحيح:

    • لا تشدد على نفسك فتملّ.

    • ولا تتساهل فتزلّ.

    • بل سِر إلى الله بخطى واثقة، متوازنة، صادقة.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الدين يُسر، ولن يُشادّ الدين أحدٌ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا..."

    إغلاق أبواب الشر لا يعني تحريم كل شيء، بل يعني أن تُبصر قلبك... وتحفظه مما يُضعفه، وأن تعيش حياتك لا كعادة، بل كعبادة متزنة.


    خطوات عملية لاستثمار الطاعة وحمايتها

    1. راقب قلبك بعد كل طاعة: إن شعرت بنور وسكينة، فاحفظه.

    2. اغلق ما يُضعف الأثر: حتى لو كان مباحًا... إن زاحم الطاعة فابتعد عنه.

    3. طبّق قاعدة "الطاعة تتبعها حماية": صليت بخشوع؟ احفظ جوارحك بعد الصلاة. قرأت القرآن؟ لا تُطفئ نوره بما يضاده.

    4. طهّر رزقك ولسانك وعلاقاتك: فالطاعة تتغذى من الحلال، وتموت في الحرام.

    "اللهم اجعلنا ممن إذا أطاعك ثبت، وإذا اقترب منك ثبت، وإذا عرفك لم يلتفت، وممن إذا عبدك أخلص، وإذا دعاك أُجيب، وإذا زلّ عاد، وإذا استقام ثبت، واغلق عنا أبواب الشر ما ظهر منها وما بطن."

    Comentarios

    Obtuvo 0 de 5 estrellas.
    Aún no hay calificaciones

    Agrega una calificación
    bottom of page